التضامن الموريتاني-مالي: واجب الذاكرة والإنسانية/ سامبو سيسوكو كاتب ومحلل سياسي مالي

 

في سياق إقليمي يشهد عدم استقرار وتوترات، يبدو الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال زيارته لهود الشرقى كتنبيه هام لقيمنا الأساسية ولمسؤوليتنا التاريخية تجاه إخواننا الماليين.

 

في مواجهة الأزمة التي يمر بها مالي، تحلى رئيس الدولة بالشجاعة والوضوح في تسمية الأمور بمسمياتها: لدينا دين أخلاقي تجاه هذا البلد الجار، الذي لم يدخر جهداً في الماضي لدعم موريتانيا في أوقات صعوبتها.

 

هذا التذكير يتجاوز مجرد الحنين الدبلوماسي. إنه يشكل قاعدة أخلاقية ضرورية لتوجيه سلوكنا الجماعي. كم من موريتاني وجد ملاذاً وفرصاً اقتصادية وأخوة في مالي خلال محننا؟ وكم من التبادلات التجارية والزيجات والروابط العائلية نسجت بين شعبيّنا شبكة متينة لا تنفصم؟

 

لقد كان الرئيس محقاً في التأكيد على نقطة محورية: مالي في حالة حرب. هذه الحقيقة تفرض اتخاذ تدابير استثنائية يجب علينا فهمها بدلاً من انتقادها بسرعة. لا يمكن لدولة في صراع أن تعمل وفق معايير زمن السلم. القيود، الرقابات والتوترات هي نتائج حتمية لظروف استثنائية.

 

إظهار التفهم ليس ضعفاً: بل هو علامة على النضج السياسي والحكمة الجماعية. إنه اعتراف بأننا نحن أنفسنا، لو وضعنا في ظروف مشابهة، سنتصرف على الأرجح بالطريقة نفسها للحفاظ على أمننا الوطني.

 

النداء الرئاسي لاستقبال اللاجئين الماليين بكرامة يمس جوهر هويتنا الثقافية والدينية. فكرم الضيافة، وهو قيمة أساسية في مجتمعاتنا الصحراوية والساحلية، لا يمكن أن يكون انتقائياً أو مشروطاً. فهو يتجلى بالكامل في وقت المحن، حين يكون الآخر ضعيفاً ويحتاج إلى تضامننا.

 

توفير ملاذ آمن، مشاركة مواردنا، تقديم الدعم المادي والمعنوي للنازحين ليس مجرد عمل إنساني: إنه التعبير الملموس عن هذه الأخوة التي نعلنها في خطاباتنا، ولكن يجب علينا الآن أن نثبتها بأفعالنا.

 

بعيداً عن الطارئ الإنساني، يحمل هذا الخطاب الرئاسي رؤية استراتيجية لمنطقتنا. في ساحل هش جراء الصراعات والإرهاب والتنافسات الجيوسياسية، فإن الحفاظ على علاقات حسن الجوار وتعزيز التضامن بين الشعوب يمثل حصوناً أساسية ضد التفكك.

 

استقرار موريتانيا مرتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرار جيرانها. مالي الغارق في فوضى طويلة الأمد لا يمكن إلا أن يولّد تداعيات سلبية على بلادنا: تدفق لا يمكن التحكم فيه للاجئين، توسع الإرهاب، اضطراب التبادلات الاقتصادية، توترات مجتمعية. بالاستثمار في التضامن اليوم، نستثمر في أمننا وازدهارنا على المدى الطويل.

 

الاستقبال الإيجابي لهذا الخطاب في مالي يشهد على مكانة الرئيس الغزواني وجودة دبلوماسيته. في عالم غالباً ما تسيطر فيه المواقف العدائية على النقاش السياسي، فإن هذه الصوت الحكيم والمتوازن والإنساني يكرم موريتانيا. إنه يبين أنه من الممكن التمسك بالمبادئ مع الانفتاح على الحوار، والدفاع عن المصالح الوطنية دون نكران الالتزامات الأخلاقية، وممارسة القيادة دون غطرسة.

 

الخطاب الرئاسي ليس مجرد إعلان عن نوايا الحكومة: إنه دعوة لتحمل مسؤولية كل موريتاني. نحن جميعاً معنيون، وندعى جميعاً للمساهمة في هذا التضامن الفعّال. سواء كان ذلك بتسهيل اندماج اللاجئين في مجتمعاتنا، أو تجنب الخطابات التمييزية، أو مشاركة مواردنا، أو ببساطة إظهار التعاطف والاحترام، يمكن لكل شخص تجسيد القيم التي أشار إليها رئيس الدولة.

 

العظمة الحقيقية للأمة لا تُقاس فقط بقوتها الاقتصادية أو العسكرية، بل بقدرتها على الوفاء بقيمها في أوقات الشدة، واحترام التزاماتها الأخلاقية، وإظهار الإنسانية تجاه من يعانون.

 

لقد رسم لنا الرئيس الغزواني مساراً واضحاً: مسار التضامن الفعّال، والذاكرة الامتنانية، والأخوة المسؤولة. ونحن، كمواطنين موريتانيين، مطالبون بأن نكون جديرين بذلك. ففي هذه اللحظات من المحن تتشكل الصداقات الدائمة بين الشعوب ويُكتب التاريخ الذي يمكن لأطفالنا أن يفخروا به.

لقد مدت مالي يدها لنا أمس. واليوم، حان دورنا لنمسك بها بحزم، بسخاء وإيمان. وهكذا نكرم تاريخنا المشترك ونبني مستقبلاً من السلام والازدهار المشترك في فضائنا الصحراوي.